الخميس، 9 أبريل 2015

بنور تجلى وجه قدسك





حجة الإسلام: بنور تجلى وجه قدسك

بنور تجلى وجه قدسك دهشتي = وفيك على أن لا خفا بك حيرتي 
فيا أقرب الأشياء من كل نظرة = لأبعد شيء أنت عن كل رؤية 
ظهرت فلما أن بهرت تجليا = بطنت بطونا كاد يقضي بردتي 
فأوقعت بين العقل والحس عندما = خفيت خلافا لا يزول بصلحة 
إذا ما ادعى عقل وجودك منكرا = على الحس ما ينفيه قال له اثبت 
وذلك أن الحس ينفيك صورة = يراها ويرضى العقل فيك بحجة 
فمن هاهنا منشأ الخلاف ويصعب = الوفاق بخلف في اقتضاء الجبلة 
فان قلت لم ابصرك في كل صورة = أراها أحالت ذاك عين بصيرتي 
وان قلت إني مبصر لك انكرت = مقالي ولم تشهد بذلك مقلتي 
تجليت مني في حتى ظهرت لي = خفيت خفاء دق عن كل فكرة 
على أنه لم يبق لي جبل رأى = تجليك لي إلا ودك بصعقة 
وناجيتني في السر مني فأصبحت = وقد طويت عما سواك طويتي 
فما في فضل عنك يخطر فيه لي = سواك فوقتي فيك غير موقت 
وديعة روح القدس نفسك ردها = فمن واجبات العقل رد الوديعة 
وما ردها إلا بتكميلها بما = يليق بها من كسب كل فضيلة 
فمهما تجلت من كدورات عالم = الطبيعة شفت جوهرا وتجلت 
نصحتك جهدي ان قبلت فلا تكن = على حكم غش حاملا لنصيحة 
وغاية مقدوري فقلت وانما = قبولك مما ليس في وسع قدرتي 
وهل ممكن اسعاد من كان قد جرى = له قلم في اللوح يوما بشقوة 
يظن الفتى لذات دنياه نعمة = وما هي إلا نقمة في الحقيقة 
ويبلغ منه الجهل ما ليس يبلغ ال = عدو بحد السيف عند الحظيظة 
ونفسك فاحفظها وصنها فانما = سعادتها في فعل كل مشقة 
وخالف هواها ما استطعت فانه = عدو لها يبغي لها كل نكبة 
لعمري لقد انذرت انذار مشفق = وجاوزت في الايضاح حد الوصية 
فقم واسع وانهض واجتهد وابغ مطلقا = بداك على ما فيك شر صنيعة 
فانك من نور مضيء وظلمة = بما فيك من جسم ونفس نفيسة 
تسوس الحياة الجسم وهي مسوسة = بما فيك من أسرار علم مصونة 
فشيطان رجم أنت أو ملك بما = تعانيه من فعل قبيح وعفة 
ألا ان لي بالنفس مني شاغلا = به تم لي ما دمت من ملكية 
جلت شبهة الأعراض عني بديهة = توقد كالمصباح في جوهريتي 
رأيت بها النور الالهي لائحا = وراء ستور للأمور دقيقة 
فحققت ما قد كنت فيه مشككا = وعاينت ما قد كان في سر خفية 
وأدركت ما المقصود من بدأتي وما ال = مراد باحيائي وموتي ورجعتي 
بمرآة نفس لاح لي في صقالها ال = مقابل للكونين كل حقيقة 
ولم يبق عندي ريبة في الذي استرا = ب منه اناس في أمور كثيرة 
فألقت عصاها النفس مني وأيقنت = بأن سفرت عن وجه نجعي سفرتي 
يدل على ما قلته حالة الكرى = إذا ركد الاحساس منك برقدة 
وقابل لوح الغيب للنفس مثلما = تقابل مرآة باخرى صقيلة 
فيطبع ما في اللوح في النفس فهي من = هناك بعلم الغيب نسخة نسختي 
ولو أمكن التجريد في كل يقظة = لشاهدت لا في النوم كل عجيبة 
وما هو عند الله مثل لآدم = ولا ذنب ذا من ذنب ذاك بنسبة 
ويطمع جهلا أن سيدخل جنة = ويغبط فيها نفسه كل غبطة 
خلافا لما يعطي القياس ولم يقم = له العقل لولا النقل برهان حجة 
أيخرج منها آدما إثم زلة = ويدخل هذا فعله كل زلة 
وكيف ترى يقضي الكريم بهفوة = ويدني اللئيم النذل مع كل ورطة 
ولولا حديث في الشفاعة قد أتى = وتأويل آيات لايناس وحشة 
لما طمعت نفس تفوز بجنة = إذا لم تكن من كل اثم تبرت 
ومع ذا اختلاف الناس في ذاك ظاهر = تقام عليه واضحات الأدلة 
وإذ كان قد صح الخلاف فواجب = على كل ذي عقل لزوم التقية 
وترك الأماني الخوادع بعد أن = رأى بأبيه آدم كل عبرة 
ولو كان لا يجزي مسيء بفعله = ولا محسن ضاعت أمور البرية 
وما كان في الأحياء والموت حكمة = وكان محالا حكم كل شريعة 
ومستبعد إحياؤنا ومماتنا = سدى لا لمعنى فيه سر مشية 
أيحسن أن تبنى قصور مشيدة = بأحسن أوضاع وأجمل بنية 
وتهدم عدما لا لمعنى وانه = ليقبح هذا في العقول السليمة 
وذلك شيء فعله عبث وما = يدبر هذا الكون بالعبثية 
فلم يبق إلا أن يدبر أمره = حليم محيط العلم عدل الحكومة 
فما شقيت نفس أطاعته رهبة = وماسعدت نفس عصته لرغبة 
ولكن بنور العلم تسلم هذه = وتعطب جهلا تيك أقبح عطبة 
فيا عجبا ممن يروم لنفسه = خلاصا ولم يرغب بها عن جريرة 
ومن تائب من ذلة لا ترى له = دموع كأفواه الغمام المكبة 
ومن مخبر لا يعجز الله قدره = عليه ولا يخشى بوادر نقمة 
ومن أشرقت أنوار مرآة عقله = على ظلمات الطبع منه تجلت 
وثبت غرس العقل في القلب مثمرا = لباغي الحيا استقباح كل رذيلة 
وما وصلت نفس إلى عالم الصفا = بما دون تحصيل العلوم الجلية 
وتمييزها عن نوعها بمعارف = يروجها في عالم البشرية 
وقد يملأ القطر الاناء فيمتلي = به الماء حتى لا مزيد لقطرة 
فاخرجتني عني بادخال محنة = واوحشتني مني بأنس محبة 
وأسقيتني من خمر حبك شربة = خماري بها باق إلى يوم بعثتي 
محاني بها سكري وأثبتني معا = فأعجب شيء أن ما حي مثبتي 
وأقر بتني من رمز طرسي أسطرا = فتمت بها تفصيل عقدك جملتي 
وأقررتني مني علي بأنني = صحيفة سر طيها فيه نشرتي 
وأفشيت بي سري إلي فأصبحت = وقد أعربت إذ أفصحت عنه عجمتي 
وأفهمتني مني بأن ليس موطني = مكانا به في عالم الحس نشأتي 
فأبهمت ما أفهمت إذ ليس مدرك = لذلك إلا من خصصت بحكمة 
ومن ذا الذي خصصت منك بحكمة = ولم تك قد عممت منك برحمة 
فكم اظهرت تلك الاشارات خافيا = وان عزبت عن فهم قوم ودقت 
وما لاح ذاك البرق الا ليهتدي = به الركب لكن ظلمة الجهل أعمت 
لقد سمع الواعي وقل الذي وعي = لسكر به أهوى أصمت فأصمت 
وكم لك داع منك فيك مبصر = لعقلك لكن لست تصغي لدعوة 
وكل مريض الجسم يمكن برؤه = ويعجز أن يشفى مريض البديهة 
ويستبعد الجهال كونا بموطن = إذا كان لا في جنب منبت شعبة 
ولو علموا ما عالم العقل منهم = وأنهم بالحس في دار غربة 
إذا ولد المولود سروا بفرحة = ومن حقه أن يبدلوها بترحة 
ويبكونه عند الممات جهالة = ومن حقه إظهار كل مسرة 
ولم يعلموا أن الولادة غربة = أبيحت له عن خير دار وأسرة 
وموتته عود له نحو أهله = وأوطانه الأصلية المستلذة 
وأعجب من هذا مقال جميعهم = ترى عابدي الأوثان أجهل أمة 
وما عظم الأوثان من كان قبلهم = كتعظيم أجسام لهم مضمحلة 
فكل غدا معبوده الجسم فاستووا = ولكنهم لم يستووا عند نية 
فقد وقعوا مع علمهم في ضلالة = إذا اعتبرت أربت على كل ضلة 
فياليت شعري كيف صمت عقولهم = وداعيك فيهم مسمع كل فطنة 
وكل فعال لم أكن متقربا = إلي به أعظمت فيه خطيتي 
فقربي به بعد وربحي خسارة = وعزي به ذل ونفعي مضرتي 
لأني فيه قمت غير موجه = لدى فعله وجهي إلى وجه وجهتي 
فدنت بأمر حرمته شريعتي = واحييت حكما قد أماتته سنتي 
فكانت بتركي في مناهيه غفلتي = نهاية تأديبي وفرط عقوبتي 
تشتت عقلي فيك بعد تجمع = كما اجتمعت بلواي بعد تشتت 
هوى فيك لي لا منتهى لامتداده = لدي ولا منه خلاص بسلوة 
ازيد بلى إذ يستجد ولم يكن = بتجديد صبري فيه أبلى بليتي 
يعيد ويبدي أولا منه آخر = فقد شف جسمي سر عود وبدأة 
ألا لا تلمني إن شطحت فانه = قليل لسكر حل بي منك شطحتي 
ولا تنهني إن تهت سكرا معربدا = فأنت الذي استحسنت فيك هتيكتي 
ولا تلح إن غنيت فيك تطربا = فلو وجدت وجدي الجبال لغنت 
ومن عجب حمل الجبال هوى به = طلعت وعن حملي قديما تأبت 
فمن قيس ليلى العامرية في الهوى = ومن قيس لبنى أو كثير عزة 
إذا تليت آيات ذكري فقابل ال = مجنون ذكري بالسجود لحرمتي 
وأوجب كل منهم الوقف عندها = وسلم أن لا قصة مثل قصتي 
فمن فضل كاسي شرب غيري ولم يكن = يقاس بسكري سكر شارب فضلتي 
يبلبل بالي لا لنوح حمامة = وينهل دمعي لا لإيماض برقة 
ولو كنت محتاجا للتنمم باعث = يحرك أشجاني لبانت نقيصتي 
ولكنني مني وفي نواعش = تحركني في كل سر وجهرة 
فلا رقدة تغدو علي بفترة = ولا يقظة تغدو علي بغفلة 
فمن يشك يوما في هواه فانني = لي الشكر أولى في الهوى من شكيتي 
تسترت جهدي في هواك وطاقتي = فلما منعت الصبر أبديت صفحتي 
فاعلنت ما أسررت فيك فلم يكن = بقول ولا فعل سواك فضيحتي 
فما لاشتياقي في افتضاحي مدخل = ولا لدموع فيك لي مستهلة 
وقد كان لي في الصبر ستر على الهوى = بهتكك ستر الصبر أظهرت عورتي 
فلا مذهب في الحب يشبه مذهبي = ولا ملة فيه تقاس بملتي 
يكل لساني عن صفاتي وانما = يعبر عني أنني ذات وحدة 
فكل نعيم دون وصلي شقوة = وكل ملذ مؤلم عند لذتي 
وكل سبيل ليس يفضي سلوكه = إلي فقد أفضى إلى كل خيبة 
ولولا هوى لي فيك يحملني على = حنوي لم أعهد اليك بلفظة 
وكنت إذا زلت بك النعل هاويا = أقول ألا فاذهب إلى حيث ألقت 
ولكن ما ينجيك ينجي هويتي = كما أن ما يؤذيك نفس أذيتي 
وهل أنا إلا أنت ذاتا ووحدة = وهل أنت إلا نفس عين هويتي 
ولولا اعتبار الجسم بالنسبة التي = اليه له ما صح عني سيرتي 
ولست بذي شكل فيوجب كثرة = لذاتي ولا جزءا فتمكن قسمتي 
ويوقع ما بيني وبينك نسبة = يظن بها غيري لموضع شبهة 
واني لم اهبط إلى الأرض يبتغي = بذلك وضعي بل هبوطي ورفعتي 
وتقرير هذا ان دعيت خليفة = وما كنت ادعى قبل ذا بخليفة 
وصير ملكي عالم الجسم محنة = لغاية تدبيري ومبلغ حكمتي 
فان أنا أحسنت الولاية احسنت = إلى العالم العلوي عودي وعزلتي 
وعاينت مالا عاينت مقلة ولا = أحاطت به أذن وعت حس سمعة 
وآثرت لذاتي ونيل مآربي = واتبعت نفسي كل شيء أحبت 
سددت على نفسي سبيل تخلصي = إلى الملأ الأعلى الذي هو نزهتي 
وأوقعتها في أسر من لا يرى لها = مكانا ولا يحنو عليها بعطفه 
فلا ندم يجزي ولا حسرة يرى = بها فرج يرجى لكشف لشدة 
فياويح نفس آثرت طيب زائل = على طيب باق لا يحد بمدة 
يموت الفتى بالجهل من قبل موته = ويحيى بروح العلم من بعد ميتة 
فما مات حي العلم يوما ولم يكن = بحي ممات الجهل مقدار لحظة 
وأنظر أحوال الرجال وقوفهم = على برزخ ما بين نار وجنة 
فاما إلى آلام نفس خبيئة = وإما إلى لذات نفس نفيسة 
فآلام تلك الترك في دار غربة = ولذات هذا العود من بعد غربة 
وهل حسرة في النفس أعظم غصة = من البعد عن أهل ودار وجيرة 
كما أنه لا شيء أعظم لذة = لذي غربة من ملتقى بعد فرقة 
كأني لم أحجب بها وكأنما = هي احتجبت بي فازدهى الناس عشقتي 
وغودرت لا يثني على حسن فعلي ال = جميل ولا يلوي على حسن طلعتي 
ولو قايسوا بالحسن بيني وبينها = لكانت لديهم لاتسام بحبه 
وشق القلوب الجاهلات التي بها = محبتها قالت بهم عن محبتي 
وما ذاك شيء يسقط العذر لامرىء = أطاع الهوى وانقاد عبدا لشهوة 
وهل نافع شق الفؤاد ندامة = لذي قدم زلت ولم تتثبت 
فكيف يليق الوصل مني لمؤثر = على طيب وصل وصل من هي عبدتي 
اذا رضيت عنه يهون عليه في = رضاها وأدنى ذاك تسهيل غصة 
على انها اعدا عداه ترتبت = له حيلة منها لإمكان فرصة 
فهام بها عشقا وآثر وصلها = فزل فنادته إلى الف لعنة 
ولولا الشقا والجهل ما آثر العدى = رضاها وجانب طيب وصل الأحبة 
وهل أمني بالفضل مثلي وانما = بمثل طباع السوء نحو الدنية 
وتأبى الطباع الفاضلات ارتكابها = الأمور التي تفضي إلى حط رتبة 
فكم حسرات في نفوس يثيرها = بعادي إذا ما العيس للبين ذمت 
وكم عبرة تجري علي تأسفا = وقد فات مالا يسترد بعبرة 
وكم قارع سنا علي ندامة = وآخر مكوي بنيران حسرة 
وكم أنة تغدو علي ورنة = بروح إذا ما استشعر القوم فرقتي 
وهل هاجري وجدا بغيري بالغ = رضاي لصب طالب دار هجرة 
لشتان ما بين المقامين انما = المبرز من لا همه غير عشرتي 
ألم تر أني منتهى قصد مبدعي = ولم تبدع الأشياء الا لخدمتي 
وان لإكرامي وتعظيم حرمتي = أشار إلى الأملاك نحوي بسجدة 
وصير ما في عالم الكون كله = بحكم إرادتي وطوع مشيتي 
فإن كنت في وصل دعيت فلا تمل = إلى وصل غيري واغتنم وصل صحبتي 
وخذ جانبا من رفقة بك وكلوا = ببعدك عن وصلي واثبات جفوتي 
فعند ارتفاع الحجب ما بيننا ترى = محاسن وجه الغانيات وبهجتي 
ولا عجنت الا بحبك طينتي = ولا لهجت إلا بذكرك لهجتي 
وردت ورود الهيم فيك من الهوى = شريعة حب هيجت لي غلتي 
ولا عجب ان هيجت لي غلة = فما تلك عندي منك أول محنة 
إذا كان بي أمر أرى فيه لي أذى = رضاك فما أحلاه في قلب ذلتي 
لذلك ما أرضاك مني فعلته = ولو غضبت منه كرام عشيرتي 
وما بعت فيك النفس إلا لعل إن = أفوز بوصل منك تربح صفقتي 
فان أنت أمضيت التبايع بيننا = فبعت وان لم تمض أكسدت سلعتي 
وما قدر نفس لي لديك حقيرة = فأجعلها مهرا لأشرف وصلة 
ولكن مقل بادل فيك جهده = أحق بوصل من أخي كل ثروة 
توحشت من أبناء نوعي ولم يكن = لشيء سوى أنسي بقربك وحشتي 
تغربت عن أهلي اليك وإنني = ليعذب لي في طيب أنسك غربتي 
فكم خلوة قد فزت فيها بجلوة = خرجت بها عني اليك بفرحة 
وطلقت فيها عالم الحس بتة = لتعلم أني لا أقول برجعة 
وفارقت أوطاني وأهلي وجيرتي = لتعلم أني باذل فيك مهجتي 
ولولا دخولي في رضاك بكل ما اس = تطعت لعزت فيك عني خرجتي 
وكان بودي لوقبلت تقربي = اليك ولكن لست أهلا لقربة 
وهل انا إلا نطفة من سلالة = لطين وما مقدار قيمة نطفة 
لعمري لقد حاولت أمرا مرامه = عزيز ولكن انت أهل العطية 
وليس اعترافي باتضاعي بمانعي = سؤالك أمرا دونه قدر قيمتي 
وليس على قدري سؤال فانني = أرى أن قدري دون مقدار ذرة 
ولكن على مقدار احسانك الذي = عممت به تخصيص كوني بخلقتي 
ولا أنا ممن يخجل الطرد وجهه = فيأنف من عود مخافة طردة 
على كل حال ليس لي عنك مذهب = فيصرفني عن جعل بابك قبلتي 
فما شئت فاصنع وارض عني فانني = أرى كل صنع منك اسباغ نعمة 
كفاني اعترافي باقترافي توبة = وحسبي رضا عني قبولك توبتي 
وهل أنا إلا دوحة قد غرستها = فإن لم يصبها وابل منك جفت 
إذا حصلت لي كيف ما كان نسبة = اليك فلا أخشى ضياعا لنسبتي 
فياحيرتي كم حيرة فيك لي غدت = مخصصة بي ما به منك عمت 
وكم نعمة اسبغت من سر حكمة = أنرت بها من ناطق كل ظلمتي 
وأحييت مني ما أماتت جهالتي = حياة محال أن تحال بموتتي 
ومن حييت من موتة الجهل نفسه = بعلم نجت من قطع كل منية 
وكم موجة من بحر علم أثرتها = لدي بريح منك أجرت سفينتي 
فمرت تشق الكون حين مهبها = ملححة حتى أفادت معيتي 
وأدركت معنى آخرا دق فهمه = أريد بوضع الصورة الالفية 
ومن لم يحط علما بمعنى وصورة = له فبصير العين أعمى البصيرة 
فزرع ولكن لم يفد حصد حبه = ومخض ولكن لم يفد مخض زبدة 
إذا جهل الإنسان تحقيق أمره = فكيف بتحقيق الأمور الغريبة 
فيا عجبا للمرء يجهل نفسه = ويطمع في فهم المعاني البعيدة 
وما ناهض بالنفس يزداد رتبة = من العلم تسميها كوان مفوت 
وما موقظ من رقدة الجهل عقله = لتحصيله تكميلها مثل ميت 
إذا كملت نفس الفتى بصفاته ال = جميلة من قول وفعل ترقت 
وأصبح يدعى عالم العقل عالما = لها وتخطت نفسه كل خطة 
وبالعلم بالنفس النفيسة يدرك ال = محصل فهم العلة الأولية 
ومن لم يحط علما بذاك فإنه = وإن كان حيا حكمه حكم ميت 
وما الحي عند العقل من كان غالبا = على نفسه حكم القوى البدنية 
ولكنه من شرفت قدره على = بني نوعه أوصاف نفس زكية 
ففي العالم العلوي ذا ملك وذا = لدى العالم السفلي شيطان جنة 
وما اختلفا بالنوع حتى يظن ما = به اختلفا فعلا لخلق الغريزة 
وكل أبوه آدم ويخص ذا = لذا خص ذا من سر معنى النبوة 
ومن أعجب الأشياء فرعا أرومة = وما اتحدا بالطبع في الثمرية 
بأي لسان أوثر الشكر مثنيا = عليك بما أوليتني من فضيلة 
وأكملت من عقلي ووصفي وصورتي = وفهمي وأحشائي وحولي وقوتي 
وصفحك عني إن عصيت تكرما = ووعدك لي عن طاعتي بالمثوبة 
وهل ممكن إحصاء ذرات كلما = على الأرض من كثبان رمل مهيلة 
وإحصاء ما في البحر من كل قطرة = بحيث يحيط المحصي منها بعدة 
وذلك أمر مستحيل وكلما اس = تحال فمنفي لحكم الضرورة 
وما كل هذا لو أتيت بضعفه = من الشكر أدنى شكرا أصغر حبة 
فكيف بشكري كل عضو وقوة = جعلت لنفعي عند تأليف بنيتي 
وشكر التي قد حجبت بي وانها = لأظهر لي من نور شمس تبدت 
بعيدة أطلال الديار قريبة = وأعجب شيء بعد دار قريبة 
بها مثل ما بي من هواها وعندها = من الود ما ليس دون مودتي 
وقد أدركتها رقة لي أطمعت = بنيل المنى لولا مخافة وفقتي 
وقلت لها مني علي بنظرة = أنال بها من حسن وجهك منيتي 
ألم تعلمي ما حل بي منك من جوى = وكابدت من أشجان قلب ولوعة 
فان الجبال الشم وهي رواسخ = لو احتملت بعض الذي بي لدكت 
فأحزان قلبي لا تجود بسلوة = واجفان عيني لا تسح بدمعة 
ولولا حنيني لم تحن مطية = ولولا نواحي لم تنح ورق أيكة 
ولولا خطابي لم يقع عين عابد = علي لما مني الصبابة أبلت 
فلا ماء إلا بعض فيض مدامعي = ولا نار إلا دون أنفاس زفرتي 
فقالت بعيني ما لقيت وانه = ليؤلم قلبي أن تشاك بشوكة 
واني على ما في من صلف البها = لراغبة في الوصل أعظم رغبة 
ولكن وشاة السوء فيك كثيرة = وليست مع الواشين تمكن رؤيتي 
وانت فمغرى بالحسان وانني = لأكره ما بي أن أرى وجه ضرتي 
ومن لم يصني صنت وجهي ببرقع = وصور فيه صورة دون صورتي 
ليمتحن الخطاب لي إذ يرونها = أيلهون عني أم يتمنون خطبتي 
وماهي إلا عبدة لي جميلة = تظن وما افعالها بجميلة 
فما كان إلا ان رأى الناس وجهها = فهاموا بها في فج وجه ووجهة 
ويعلم ما قد كان بالأمس والذي = يكون غدا أوكائن بعد برهة 
ويخبر بالأمر المغيب مثل ما = يخبر عن ما كان منك بحضرة 
ويعلم ما مفهوم معنى معبر = لسامعه عنه بوحي النبوة 
وما الوحي إلا خلع نفس قوية = ملابس إحساس على العقل غطت 
وأنى لها نحو المحيط بذاتها = على عالم العقل الذي عنه شبت 
وإدراك ما يلقى اليها هناك من = إشارات رمز للعقول دقيقة 
وإفهام أفهام النفوس لطائف ال = معاني التي في ذاتها قد تهيت 
وما أطرب الأرواح منا لدى الفنا = سوى نغمات أدركتها قديمة 
وذلك أن النفس قبل اتصالها = بتدبيرها الجسم الذي قد تولت 
وعى سمعها من طيب ألحان نغمة = ينغمها الأفلاك أعظم لذة 
إذا أقبلت اجرامها باصطكاكها = يرجعها في قطعها كل ذروة 
وشذت لبعد العهد عنها فلم تكن = تذكرها إلا بتجديد نغمة 
فلما أحست بالسماع بمثلها = تذكرت العهد القديم فحنت 
وحاولت التجريد عن عالم الفنا = إلى العالم الباقي الذي عنه شذ 
فجاذبها الجسم الزمام وأقبلت = تجاذب فاهتزت لذاك برقصة 
ولا شك في أن العقول محيلة ال = مسامع والأبصار للحس رنت 
فإن لم يكن في عالم العقل ما يرى = ويسمع كانت تلك غير مفيدة 
وذلك تعطيل وليس بحكمة = يعطلها عماله قد أعدت 
وقد يطرب الدولاب عند حنينه = فكيف حنين النغمة الفلكية 
وناهيك أن الطفل عند بكائه = يغنى فيغشاه سكينة سكتة 
ويذهل عما كان فيه من الأذى = وتبدو لنا منه مخايل طربة 
ولولا ادكار النفس منه لدى الغنى = عهودا قديمات لها ما استلذت 
وقد تطرب العجماء عند استماعها ال = غناء وتنسى عنده كل غمة 
وإلا فما بال المطي إذا ونت = عن السير هيجت في الفلاء بحدوة 
فتصغي إلى الحادي بأسماعها كما = يكون استماع العاقل المتنصت 
وتوسع مد الخطو حتى كأنها = سفائن بحر مقلعات بلجة 
ويرتاح بعض الطير عند سماعه = تجاوب أوتار إذا هي خشت 
وما ذاك إلا أن أفلاكها على = مراكزها لما استدارت فعنت 
فصارت بحكم الطبع تشتاق ما به = يخصصها من دون كل مصوت 
فلا تحسب الأشياء مهملة كما = توهم أصحاب العقول الضعيفة 
وللحوت بل للدود في العود بل لما = سوى ذاك أفلاك عليها أديرت 
وفيها لها آفاق جو فسيحة = عليها نراها نحن غير فسيحة 
فما خص نوع لا يتم سواه من = مراكز أفلاك وأوضاع هيئة 
وكل له عقل يسدده إلى = مقاصد أفعال وترك شديدة 
وما النحل في أوضاعها لبيوتها = مسدسة من حكمة بخلية 
وقد يعجز المرء المهندس وضعها = بآلاته الحكمية الهندسية 
وجعل لعاب العنكبوت لصيده ال = ذباب شباكا ليس إلا لخبرة 
ويفهم بعض الذر مقصود بعضه = بقوة إدراك لنفس زكية 
وحسبك الف النوع بالنوع شاهد = بمعرفة في طبعه مستحثة 
فإن ازدواج الشكل بالشكل مشعر = بقوة تمييز وصحة فطرة 
ولو لم يكن إلا تفاهمها إذا = تناغت بأصوات لها أعجمية 
لكان لنا فيه دليل يدلنا = على ان ذا لا عن نفوس بليدة 
فمن ظن شيئا غير هذا فإنه = لتقصيره عن فكرة مستقيمة 
وقد شهد الذكر الحكيم بأنها = مسبحة والذكر أعظم حجة 
وهل يصدق التسبيح من غير عاقل = ولكن عيون الجهل غير بصيرة 
تأمل صلاة الشمس عند وقوفها = لدى الظهر في وسط السماء بخشية 
وإثباتها وقت الزوال بركعة = وإتمامها عند الغروب بسجدة 
كذا جملة الأفلاك راكعة بما = جرت سجدة لله في كل طرفة 
وماذا الذي أعمى عيون قلوبهم = ونورك فيهم مستطير الأشعة 
لقد عظمت تلك الرزية موقعا = لدى كل ذي عقل سليم وجلت 
أرى كل ذي سكر سيصحو من الهوى = سواي فصحوي فيك علة سكرتي 
فما اتفقت لي مذ عرفتك خلوة = بنفسي إلا همت فيك بجلوة 
ولا عرضت لي في دجى الفكر هجمة = فأغفيت الا فزت فيك بيقظة 
ولا استغرقتني في المحاسن بهتة = فثارت بحسن غير حسنك بهتتي 
ولا سنحت في باطن القلب خشية = فكانت لشيء غير هجرك خشيتي 
ولا خضعت نفسي لأمر ترومه = فكانت لشيء غير وصلك خضعتي 
ولا استقبلتني من جنابك نفحة = اسرت حديثا عنك الا وسرت 
وأصغي إلى تحصيله في مسامع ال = مشاعر مني كل منبت شعرة 
وأحسست في نفسي بلطف دبيب ما = سقت من حميا الحب لما تمشت 
وهل شارب كأسا من الحب جاهل = بما أحدثت في عقله حين دبت 
فقد حقق الدعوى القياس واين من = كثافة جسم الخمر لطف المحبة 
إذا غبت عني كنت عندك حاضرا = ومن عجب ان غيبتي فيك حضرتي 
فيا باطنا القاه في كل ظاهر = ويا أولا ما زال آخر فكرتي 
تشابه اعلاني وسري ومشهدي = وغيبي وستري في هواك وشهرتي 
تجمعت الأضداد في ولم يكن = بمستغرب لي في الهوى كل بدعة 
فنوعي في شخصي لأني نتيجة = لشكل قياس عن ضروب عقيمة 
ملأت جهاتي الست منك فأنت لي = محيط وأيضا أنت مركز نقطتي 
فصرت إذا وجهت وجهي مصليا = فرايض أوقاتي فنفسي كعبتي 
فصار صيامي لي ونسكي وطاعتي = ونحري وتعريفي وحجي وعمرتي 
وحولي طوافي واجب وخلاله اس = تلامي لركني من مناسك حجتي 
وذكري وتسبيحي وحمدي وقربتي = لنفسي وتقديسي وصفو سريرتي 
ولو هم مني خاطر بالتفاتة = لما كان لي إلا إلي تلفتي 
ولو لم أؤد الفرض مني إلي لم = يصح بوجه لي ولم تبر ذمتي 
وكنت على أني أوحد ظاهرا = ففي باطني قد دنت بالثنوية 
كذا من يكن قد صح عقد وداده = ولم يتهم يوما بسقم عقيدة 
وينفي اتصال النفس بالعقل واقفا = على حس ما في عالم الحس أبلت 
فإن قهرت فيه قوى الجسم ألحقت = بعالمها مملوة بالمسرة 
وإن قهرت فيه قوى النفس لم تصل = اليه طوال الدهر يوما بحيلة 
وتبقى كما قد جاء تهوى وليتها = هوت ماهوت ثم ارعوت واستقرت 
ولكنها تبقى بنيران حسرة ال = بعاد تقاسي ضيق أغلال كربة 
مذبذبة لا عالم العقل أدركت = ولا عالم الأجسام فيه تبقت 
فترجع إلى أحدى الحنين حنينها = إلى عالم العقل الذي عنه صدت 
وهيهات أن يطوى لسير حنينها = اليه الذي قد حال من بعد شقة 
وأنى لها والحس قد حال بينها = وبين حماه أن تفوز بنظرة 
إذا ذكرته هز هامس طائف = من الشوق لو هز الجبال لهدت 
وما ذاك بالمدني إليه ولا الذي = إذا لم يكن يدني فربح بوقفة 
أسى كلما قيل انقضت منه لوعة = أعيدت بأخرى مثلها مستحثة 
تزول الجبال الشم وهي مقيمة = على حالة منكوسة مستمرة 
وذلك أمر نسأل الله عصمة = منجية منه ومن كل حيرة 
ألم يك فيما نال آدم عبرة = ومتعظ للعاقل المتثبت 
على قربه من ربه واصطفائه = ومنحته اياه أعظم منحة 
وابعاده من بعد ذاك وصده = وتجريعه إياه أعظم غصة 
ولم يأت ذنبا عامدا غير أنه = بأول حكم الله طالب رخصة 
فأخطأ في التأويل جهلا فحطه = إلى الارض من أعلى الجنان المنيفة 
ولم يخف ما لاقى إذ انحط هابطا = إلىالارض من هول الأمور العظيمة 
وما زال يدعو الله سرا وجهرة = وحاول منه العفو عنه بتوبة 
وكيف بمن يأتي ذنوبا كثيرة = ويقضي وما وافى بتوبة مخبت 
وكم جاهل لم يزدجر بالذي جرى = علىآدم من فعله كل خزية 
لقد شمل الخير الوجود بأسره = فما كان من شر فذاك لندرة 
ولم يكن المقصود بالذات إنما = أتى بطريق الضمن والتبعية 
ألم تر أن الغيث خير وانه = ليحصل منه وكف بعض الأكنة 
وان لهيب النار للثوب محرق = ويحصل منه نضج كل معيشة 
فقد يتبع الخير الكثير الذي نرى = لنا فيهما شر يسير المضرة 
ولو روعي الضر الذي فيهما لنا = ولم يخلقا لاختل نظم الخليقة 
وكان هلاك الحرث والنسل عاجلا = وذاك بلا شك خراب البسيطة 
ولم يك إلا عالم الأمر وحده = ولم يخف ما في ذاك من نقص خلقه 
وفي الحشرات الساقطات منافع = يحيط بها أهل العقول السليمة 
ولو لم تكن ما عاش من نوعنا امرؤ = لفضل بخارات الهيولى الردية 
فمن ذلك الفضل الردي تكونت = وفي مدخل الاوساخ في الارض حلت 
وغودر ما نلقيه منا غذاؤها = لصفو الهوى من شوب كل أذية 
لتنتعش الارواح منا بطيبه = ويصفو لنا ورد الحياة الهنية 
وقد ركب الاجسام منا وكل ما = تركب منحل ولو بعد برهة 
وألبس منا كل جزء بحيز = لأركاننا الذاتية العنصرية 
وما جمعنا بعد افتراق بمعجز = وهل آخر يخلو عن الأولية 
وان معاد الشيء بعد انعدامه = لأسهل من إنشاء إنشاء بداة 
ومطلع شمس النفس من مشرق الخلا = سيطلعها من مغرب العدمية 

سبحان من يحيي بقدرته الذي = يميت كما أحياه أول مرة 

عن السيد ابو أحمد الهـاشمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق